للإجابة عن استفسارتكم
+962780693117

اللعب علاج

 لا يبعث النمو في مراحله كلها على الارتياح في نفوس الأطفال ذلك لأنه ينطوي على تغيرات ( دينامية ) عديدة داخل الطفل وخارجه أي في علاقته بنفسه وعلاقته بالبيئة المحيطة به   وقد تشتمل هذه التغيرات ( الدينامية ) تحت تأثير الضغوط والممارسات الاجتماعية على خبرات سلبية ليست بقليلة تؤثر في نفسية الطفل وتسبب له التوتر والصراعات النفسية   ولذلك فالطفل بحاجة إلى التخفيف من هذه المخاوف والتوترات الناجمة عن الضغوط الاجتماعية المفروضة عليه  


وقد استخدمت طريقة العلاج باللعب أو اللعب العلاجي " Play therapay "  طريقة فعالة للعلاج النفسي بالنسبة للأطفال الذين يعانون من بعض المخاوف والتوترات النفسية   واستخدم فرويد اللعب طريقة في العلاج النفسي لأول مرة مع ابن صديق له كان يخاف من الخيول إذ قام الطفل هانز بتمثيل دور الحصان في ألعابه التلقائية لمرات متعددة وبعد ذلك تخلص من مخاوفه من الخيول التي أصبحت مألوفة له   واستخدمت هرمين هج هلموت Hermine Hellmuth  من اتباع فرويد اللعب في علاج الأطفال مضطربي العقول وذلك في محاولة للتأثير في سلوكهم بشكل مباشر وبدأت ميلاني كلين Melanie Klein  تحليلها النفسي للأطفال في عام 1919 وعدت التعليم المباشر علاجاً غير مفيد   وقد استخدمت اللعب التلقائي بديلاً عن التداعي الحر الذي كان فرويد قد استخدمه في علاج الكبار   لقد افترضت ميلاني أن ما يقوم به الطفل في اللعب الحر يرمز إلى الرغبات والمخاوف والصراعات غير الشعورية وهو ما يتطلب من الطبيب النفسي إقامة علاقة خاصة بالطفل فيمثل دور الشخص العادي بينما يقوم الطفل بتوضيح عدد من الأدوار التي تعبر عن علاقاته الحقيقية مع الناس أو شعوره نحوهم   وهذه الأدوار كانت سبباً في نشوء عدد من المتاعب وعلى المعالج النفسي بعد ذلك أن يجعل الطفل مدركاً لهذه العلاقات الواقعية عن طريق تفسير مضمون الألعاب للطفل  


وقد استخدمت ميلاني كلين الدمى المصغرة في اللعب الإسقاطي وكانت هذه الدمى تمثل في غالبية الأحيان أشخاص الأسرة   ويمكن أن يلعب الطفل بالآجر بطريقة تظهر أن وحدات الآجر تمثل مجموعة من الناس ربما كانوا من أسرة الطفل   ففي هذه الحال قد يوافق الطفل أو ينكر ما يقوله له المحلل النفسي أو قد يستمر في اللعب   فإذا كانت الموافقة مصحوبة بقلق شديد حيال التفسير الذي يقترحه المحلل فقد يحتمل أن تتعارض هذه الموافقة مع تفسير المحلل تماماً تعبيراً عن موقف الإنكار من جانب الطفل وعلى أية حال يجب أن نضع في حسابنا أسلوب الطفل المعتاد لردود الأفعال  


أما أنا فرويد Anna Freud  فقد عدت على عكس ميلاني كلين - أن علاج الطفل يختلف بشكل جوهري عن علاج الكبار إذ أن عمل المعالج في حال الأطفال يكون تعليمياً لذا يجب أن يحصل المعالج على ثقة الطفل ومحبته   فاللعب من وجهة نظر ( أنا فرويد ) لا يشترط أن يكون رمزاً لشيء ما فإذا كان الطفل ينصب عموداً لمصباح فهو يقوم بهذا العمل لأنه رأى عموداً وتأثر به   وفي الواقع أن الأطفال يقومون بألعاب تخيلية يجب أن تعزز عن طريق معرفة تصرفات الطفل في البيت وتجاربه ورغباته ومخاوفه التي يمكن الحصول عليها بالألفة والثقة المتبادلة مع الطفل  


إن هذه البدايات في علاج الأطفال المضطربين نفسياً كانت تشير إلى بداية ما عرف فيما بعد بالعلاج عن طريق اللعب أو العلاج النفسي للأطفال حيث يجب أن يعرف المعالج دوره والمدى الذي يشارك فيه الوالدان في العلاج وتغيير بيئة الطفل وفهم وظيفة اللعب في هذا العلاج  

والاتجاهات الحديثة أخذت تعنى بصورة خاصة بقدرة الطفل على الاستجابة للبيئة المحيطة وبأسلوب التحليل النفسي لتقوية الأنا التي تربط بين اندفاعات الطفل وبين الواقع   ومثال على هذا هو طريقة صورة لوينفلد Lewenfeld  العالمية التي تتكون مادتها من صور لأناس وحيوانات وبيوت وأشجار وغيرها من عناصر الواقع ثم يوضع في متناول الطفل ماء وأطباق مملوءة بالرمل ويطلب إليه أن يلعب بها كما يشاء   فقد تتكون العجائن التي يصنعها من جبال ووديان وبعض النماذج للناس أو الحيوانات قد تكون صوراً واقعية لبلدان صغيرة   ويطلب إلى الطفل أن يفسر للطبيب المعالج هذا العالم الذي شكله حيث يفترض أن المضمون والأسلوب والحركة في الشيء المشكل ستكشف عن مقدار اضطراب الطفل وما يجول بخاطره كما يستخدم اللعب في العرائس للأغراض العلاجية وفي تمثيل بعض المواقف الاجتماعية كعامل مهدئ وذلك بالتعبير عن العواطف من جهة وتعليم أصول السلوك الاجتماعي من جهة أخرى  

وفي استخدام الفن طريقة علاجية يقوم المعالج بتفسير الرسوم والصور كما هو الحال في تفسير اللعب بالعرائس كما تستخدم الرسوم والصور للتعبير عن الشعور وتعد وسيلة علاجية ناجحة   وكذلك يمكننا الاستفادة من الموسيقى في التأثيرات العلاجية  

ويعتقد أتباع مبدأ العلاج غير الموجه أن اللعب الحر الذي يمارسه الطفل دون تدخل الكبار يعالج الاضطرابات الانفعالية وفي هذا المجال يبقى دور المعالج سلبياً وما عليه إلا أن يخلق جواً من المودة والرضى بينه وبين الطفل   أما العلاج التطبيقي فيكون الاهتمام فيه منصباً على لعب الطفل إذ يختار الطفل لعبه بحضور المعالج الذي يسمح للمريض بالقيام باللعب   ولما كان اللعب تفريغاً وتخلصاً من أعباء الانفعالات لذا يجب أن يمارس في جو آمن يخفف من قلق الطفل حيث يتيح له التلاؤم مع المتطلبات الاجتماعية بشكل أفضل  


واللعب وسيلة الطفل إلى الاستطلاع والتلاؤم مع ظروف الحياة وقد استخدم اللعب في مجال التعليم بهدف تعديل سلوك الطفل ومساعدته على معالجة المشكلات التي تصادفه   وينظر إلى اللعب من الوجهة التحليلية على أنه انعكاس لنمو القوة الحيوية الدافعة ( الطاقة الجنسية ) وتبعاً لذلك فإن اللعب هو سلوك بديل لا يمكن الحصول عليه في الواقع   أو السيطرة المصطنعة على حالات القلق المثيرة للعب والتي تمنح الطفل الثقة في مواجهة مثل هذه الحالات المقلقة وتفترض بعض الاتجاهات النفسية التحليلية أن المشاعر مثل الغضب يمكن استثارتها ولكن لا تظهر بمظاهر تعبيرية ويمكن أن تزاح إلى اشياء غير ملائمة أو يعبر عنها رمزياً وهذا ما يتوقف على الظروف المناسبة   فالطلبة الذين تعرضوا للحزن مثلاً ثم أتيحت لهم الفرصة ليكتبوا قصصاً عدوانية كانوا أقل عدوانية من الذين لم تتح لهم فرصة التعبير عن الغضب   وكذا الأمر في حال الرجل الذي يؤنبه رئيسه فيصرخ في زوجته عندما يصل إلى البيت   إن هذه المشاعر تفسر استناداً إلى نظرية الإهدار أو التناثر وقد علل نيل ميلر ( Neal Miller  ) الخوف على أنه استجابة للإحباط كما فسر إزاحته على أساس نظرية التعلم وظيفة للتعميم  


ولقد بين بيركوفيتش  Berkouvitz أن عدم إظهار الغضب عبارة عن نوع من الإحباط يمكن أن يؤدي إلى عدوان إضافي وأن التعبير عن الغضب قد يكون مترافقاً مع القلق الذي يعيق تكرار حدوثه  

مما تقدم تبدو أهمية اللعب طريقة علاجية ناجعة ولكن مشكلات التطبيق العملي للنظريات والحقائق لا تزال موضع أخذ ورد والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو : هل يمكن أن نصدر حكماً على تكيف الطفل الاجتماعي والانفعالي من خلال الطريقة التي يلعب بها ؟

الأكثر قراءة