عندما نذكر النظرية المعرفية فإننا نستحضر مؤسسها العالم النمساوي جان بياجيه، الذي يعتبر منظرها. وتعتبر النظرية بصفة عامة، وعاء مبنيا على العلم والتجربة، يمكن التربويين من فهم العديد من الظواهر التعليمية والنفسية. وهو ما يمكنهم أيضا من اختيار المسار الصحيح لتقديم المعرفة.
تعريف
تعطي النظريات المعرفية أهمية كبيرة لمصادر المعرفة واستراتيجيات التعلم (الانتباه والفهم والذاكرة والاستقبال ومعالجة وتجهيز المعلومات)، فوعي المتعلم بما اكتسبه من معرفة وبطريقة اكتسابها، يزيد من نشاطه الميتامعرفي. هذا النشاط أو الخبرة أو التدريب الحاصل لدى الفرد، يُحدث تغييرا في سلوكه. وتهتم النظريات المعرفية بالبنية المعرفية من خلال الخصائص التالية: التمايز والتنظيم والترابط والتكامل والكم والكيف والثبات النسبي.
ترى النظريات المعرفية أن حدوث المعرفة يمر عبر استراتيجية متتالية في الزمن وتتلخص فيما يلي:
- الانتباه الانتقائي للمعلومات.
- التفسير الانتقائي للمعلومات.
- إعادة صياغة المعلومات، وبناء معرفة جديدة.
- الاحتفاظ بالمعلومات أو المعرفة المحصلة بالذاكرة.
- استرجاع المعلومات عند الحاجة إليها.
رواد الإتجاه المعرفي
للاتجاه المعرفي العديد من المفكرين الذين ساهموا في تبسيط جوانب هذه النظرية. وسنكتفي بذكر البعض منهم:
المفاهيم الأساسية للاتجاه المعرفي
تقوم النظرية المعرفية على عدة مفاهيم تفسر من خلالها عملية التعلم، ومن هذه المفاهيم:
الكل أو الموقف الكلي
الكل مختلف عن الأجزاء التي تكونه. فالحائط كل، لكن الياجور والإسمنت والماء هي أجزاء.
المعنى
هو ما يتم إدراكه شعوريا، حين تتفاعل الرموز والدلالات في تفكير الفرد.
المعرفـة
تشير إلى تفاعل المحتوى المعرفي والعمليات المعرفية.
تجهيز ومعالجة المعلومات
تركيب بنية معرفية تدمج المعلومات الجديدة، في الخبرات السابقة.
بعض النظريات المعرفية
يزخر الحقل التربوي بالعديد من النظريات التي تروم تسليط الضوء على كيفية التعلم وتبسيط وشرح ميكانيزماته. فظهرت نتيجة لذلك اتجاهات متناقضة أحيانا، تدحض السبيل المتبع من طرف النظريات الأخرى في تفسير ظاهرة التعلم.
نظرية الجشطلت
ظهرت نظرية الجشطلت في ألمانيا كرد فعل ورفض للمفاهيم والنظريات السلوكية. حيث دعت إلى دراسة السلوك ككل وليس كأجزاء منفصلة. من أهم روادها: كيرت كوفكا، ماكس فرتهيمر، كوهلر. وقد اعتمدت على عدة تجارب من أشهرها تجربة القرد والصناديق.
نظرية التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى Ausuble Theory
إن كيفية تعلم المادة اللفظية والمنطوقة هو ما حاول “أوزوبل” تفسيره من خلال هذه النظرية. و التي تسعى إلى تقديم معلومات مفاتيح للمتعلمين منذ البدء، قصد توجيههم، أي أن المتعلمين يأخذون أفكارا من المدرس عوض البحث عنها أو اكتشافها.
التعلم عن طريق الاكتشاف Discovery Learning
يعتبر “برونر” منظر هذه النظرية، حيث اعتبر أن التعلم بالاكتشاف يحفز المتعلمين بشكل كبير. فهم -أي المتعلمين- يتوصلون إلى المعلومات عن طريق مجهود ينطلق من التساؤل الذي يؤدي إلى تشكيل الأفكار. ويتضح أن “برونر” يولي اهتماما بالغا بأسلوب الحصول على المعلومات أكثر من المعلومات نفسها. كما اشتهر “برونر” بأسلوب المنهاج الحلزوني الذي يقوم على التدرج في اكتساب المعرفة، فكلما انتقل المتعلم إلى مستوى أعلى كلما تعمق في دراسة الظواهر أكثر فأكثر.
و رغم أهمية ما جاء به “برونر” من أفكار تهم الأسلوب الذي يجب اتباعه، إلا أنه لا يمكن تطبيق أسلوب الاكتشاف مع كل الظواهر التعليمية، خاصة بوجود ظواهر يصعب أو يستحيل حتى إخضاعها لهذا الأسلوب.
نظرية معالجة المعلومات Information Processing Theory
وتهتم بتوضيح الخطوات التي يتبعها المتعلم لجمع المعلومات وتنظيمها وحفظها وتذكرها. وهي تعتبر التعلم عملية نشطة وتعطي أهمية للمعرفة السابقة. ويمكن تشبيهها بجهاز الحاسوب الذي يخزن المعلومات بعد معالجتها وتنظيمها بحيث يسهل بعد ذلك استرجاعها.
ترى هذه النظرية أن المعلومات تمر بثلاث مراحل أساسية:
مرحلة المسجل الحسي:
الذي يستلم ما التقطته الحواس من معطيات، ويحتفظ بها لثوان معدودة. وهي مرحلة حرجة تستلزم التركيز على عدم التفريط في الانتباه، إذ غياب الانتباه يؤدي إلى ضياع العديد من المعطيات.
مرحلة الذاكرة قصيرة المدى Short-term memory
خلالها تتم عملية المعالجة، ويطلق عليها أيضا “الذاكرة الفاعلة”
مرحلة الذاكرة طويلة المدى long-term memory
وتمثل مخزنا دائما للمعلومات والأفكار. لكن ليس من السهل استرجاع المعطيات لدى العديد من الناس، لذلك وجب ربط المعطيات دوما بمخططات تساعد على الاسترجاع.
خاتمة
أثناء التعلم، يقوم المتعلم بتغيير سلوكه تبعا للمحيط الذي يتفاعل معه. إن المعلومات القادمة من المحيط هي التي تحدد نوع الاستجابة التي يمكن أن تكون تحقيقا لحاجات معينة أو تجنبا لوضعية غير مرغوب فيها.
وخلاصة القول أن نظريات التعلم ركزت على إعمال النشاط الفكري للمتعلم في عملية التعلم، هذه العمليات تؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث التعلم.