يتخذ لعب الأطفال أشكالاً وأنماطاً متباينة فالأطفال لا يلعبون بدرجة واحدة من الحيوية والنشاط كما لا يلعب الطفل نفسه في كل وقت بشكل أو نمط واحد لا يتغير وإذا عددنا أن اهتمامات الأطفال باللعب لها خط نمائي فليس من الضروري أن نعد لعب الأطفال يجري بصورة مطلقة إذ تتحكم فيه عوامل كثيرة متباينة ومختلفة منها ما يلي :
العامل الجسدي :
من المسلم به أن الطفل الصحيح جسدياً يلعب أكثر من الطفل المعتل الجسد كما أنه يبذل جهداً ونشاطاً يفرغ من خلالهما أعظم ما لديه من طاقة وتدل ملاحظات المعلمين في المدارس الابتدائية والمشرفين على دور الحضانة ورياض الأطفال إن الأطفال الذين تكون تغذيتهم ورعايتهم الصحية ناقصة هم أقل لعباً واهتماماً بالألعاب والدمى التي تقدم إليهم
ولا شك أن مستوى النمو الحسي - الحركي في سن معينة عند الطفل يلعب دوراً هاماً في تحديد أبعاد نشاط اللعب عنده فقد تبين أن الطفل الذي لا يملك القدرة على قذف الكرة والتقاطها لا يشارك أقرانه في الكثير من ألعاب الكرة كما أن النقص في التناسق الحركي عند الطفل ينتهي به إلى صده وإعاقته عن ممارسة الألعاب التي تعتمد بصورة أساسية على التقطيع والتركيب والرسم والزخرفة والعزف وقد كشفت الدراسات التي أجريت على استخدام مواد من لعب الأطفال أن اللعب يتوقف إلى حد كبير على مستوى الاتساق العصبي العضلي الذي بلغه الطفل
العامل العقلي :
يرتبط لعب الطفل منذ ولادته بمستوى ذكائه فالأطفال الذين يتصفون بالنباهة والذكاء هم أكثر لعباً وأكثر نشاطاً في لعبهم من الأطفال الأقل مستوى من الذكاء والنباهة كما يدل لعبهم على تفوق وإبداع أعظم وتبدو الفروق الفردية بين هذين النموذجين من الأطفال واضحة في نشاط لعبهم منذ العام الثاني فسرعان ما ينتقل الطفل الأكثر ذكاء من اللعب الحسي إلى اللعب الذي يبرز فيه عنصر الخيال والمحاكاة جلياً واضحاً عنده ولا يتضح هذا التطور في لعب الأطفال الأقل ذكاء إذ أن لعبهم يأخذ مع انقضاء الشهور والسنوات شكلاً نمطياً لا يبرز من خلاله مظهر أساسي للتغير فيبدو تخلفهم عن أقرانهم من السن نفسها في نشاط لعبهم وأنواعه وأساليب ممارستهم فيه
أما بالنسبة لاختيار مواد اللعب وانتقائها فإن الأطفال العاديين أو ذوي المستويات الأعلى في الذكاء يظهرون تفضيلاً لمواد اللعب التي تعتمد إلى حد كبير على النشاط التركيبي البنائي بنسبة أعلى من الأطفال ذوي العقول الضعيفة كما يهتم الأطفال العاديون والأذكياء بمواد لعبهم التي يختارونها فترة أطول وأكثر ثباتاً من أولئك ضعاف العقول
وقد دلت بعض الدراسات أن الأطفال الذين كانت نسب ذكائهم عالية في مرحلة ما قبل المدرسة قد أبدوا اهتماماً واضحاً بالأجهزة والمواد التي تستخدم في الألعاب التمثيلية والفعاليات التي تتطلب الابتكار وتصبح هذه الفروق بين الأطفال من النموذجين أكثر وضوحاً كلما تقدمت بهم السن ويبدي الأطفال المرتفعو الذكاء اهتماماً بمجموعة كبيرة من نشاطات اللعب ويقضون في ذلك وقتاً أطول ويكونون أكثر ميلاً إلى الألعاب الفردية من ميلهم إلى الألعاب الجماعية وهم أقل اشتراكاً في الألعاب التي تحتاج إلى نشاط جسمي قوي على عكس الأطفال ذوي الذكاء المتوسط كما أن النابهين يميلون إلى الألعاب الرياضية ويكون ميلهم أكثر إلى الألعاب العقلية وهم يستمتعون بالأشياء جميعها وتتكون لديهم هوايات مختلفة أكثر من الأطفال الآخرين
ويبدو عامل الذكاء عند الأطفال في القراءة خاصة فالميل المبكر إلى القراءة والقدرة على القراءة يتجليان عند الأطفال ذوي النسب العالية من الذكاء فيقضي الأطفال المرتفعو الذكاء في كل مرحلة عمرية وقتاً أكبر في القراءة كما تنصب اهتماماتهم القرائية على أنواع معينة فيستمتع الأطفال الموهوبون بقراءة القواميس والموسوعات والعلم والتاريخ والأدب ولا يبدون اهتماماً بالحكايات الخرافية مع أنهم يفضلون الروايات البوليسية على قصص المغامرات العنيفة
عامل الجنس :
تقوم في معظم المجتمعات فروق بين لعب الصبيان ولعب البنات وهذه الفروق تلقى التشجيع الإيجابي من الكبار ففي مجتمعنا يسمح لصغار الصبيان باللعب بعرائس أخواتهم دون سخرية أو اعتراض وقلما تقدم لهم عرائس خاصة بهم وإن كان يسمح لهم بدمى من الدببة والحيوانات المحنطة فالصبي في سن السابعة يحتمل أن يكون موضع سخرية إذا أكثر من اللعب بالدببة المحشوة ووضعها في مهد صغير خاصة إذا كرر ذلك مرات عدة وكذلك البنات يجدن المتعة بدمى السيارات والقطارات مع أن هذه الدمى قلما تقدم لهن هدايا والبنات الأكبر سناً لا يشجعن على القيام بالألعاب الخشنة التي يوصفن بسببها بأنهن ( مسترجلات ) كما أن الصبيان الذين يهربون من الألعاب الخشنة أو يفضلون القراءة أو العزف على البيانو يتعرضون لتسميتهم بالمخنثين وتختلف في المجتمع الغربي تنشئة الصبيان عن البنات اختلافاً كبيراً فالأطفال بصفتهم أفراداً معرضون للمواقف المناسبة والوسائل التدريبية على اختلاف درجاتها فالصبيان في سن الثالثة بأميركا الشمالية أظهروا فروقاً جنسية في الروح العدوانية وذلك من خلال لعبهم بالعرائس الصغيرة أما الصبيان في سن الرابعة فقد كان أكثر انشغالهم بالتهريج والأنشطة التي تعتمد على العضلات القوية بينما لجأت البنات إلى لعبة البيوت أو الرسم وقد أجريت دراسة أخلاقية حديثة على أطفال من الإنكليز في سن الثالثة فكانت نتيجتها أن الصبيان يمارسون لعبة الحرب أكثر من البنات وأن الضحك والقفز علامات تدل على أن مشاجرتهم ودية
كما أجريت دراسة قديمة على أطفال أكبر سناً فوجد أن معظم ألعاب الأطفال يؤديها الجنسان من الصبيان والبنات كما وجد أن الاختلاف الأكبر ينحصر في طبيعة اللعب
فالصبيان بصورة عامة أكثر خشونة ونشاطاً من البنات على الرغم من وجود فروق بين الصبيان والبنات غير الناضجين جنسياً من حيث الوزن والطول والسرعة وربما كان للتساهل الشديد مع سلوك الصبيان العدائي الخشن والذي يفوق التساهل مع البنات تأثير في نوع اللعب الذي يبرز بوضوح في كثير من مجتمعاتنا لكن الاختلاف في اختيار الألعاب عند الجنسين يتوقف على مقدار النشاط حتى في مرحلة قبل البلوغ واحتمال تشكله وتضاعفه أقرب من احتمال تكونه عن طريق التربية الاجتماعية
ويظهر التنافس أكثر شيوعاً بين ألعاب الصبيان منه عند البنات في سن العشرين ولا سيما الألعاب التي تتطلب المهارة العضلية والرشاقة والقوة ككرة القدم والمصارعة والملاكمة بينما كانت الزيارة والقراءة والكتابة والمكايدة وغيرها من الألعاب التي تتضمن لغة أكثر شيوعاً بين البنات منها بين الصبيان فيما بين سن الثامنة والخامسة عشرة كذلك تبدو البنات أكثر مهارة لغوية في مقتبل العمر من الصبيان بينما يكن في حالة العدوان أكثر جنوحاً إلى استعمال ألسنتهن من استعمال أيديهن ولعل الحرية التي يتمتع بها الصبيان في الخروج بعيداً عن البيت والإشراف الصارم على البنات هي التي تدفعهم إلى المجتمع وتجعل البنات أقل اعتماداً على أندادهن ففي دراسة أجريت في جنوب غربي المحيط الهادي دلت على أن معاملة الصبيان تختلف اختلافاً كبيراً عن معاملة البنات بدءاً من فترة الفطام فلقد كان الصبيان يبتعدون عن القرية ويلعبون في مجموعات تحت رقابة شاملة من الأفراد الكبار في القرية بينما تبقى البنات في البيت بالقرب من إحدى النساء الطاعنات في السن أما في أوروبا وأميركا فيسمح للبنات بقدر أقل من حرية الحركة ويكون الإشراف عليهن أكثر دقة ويغلب أن يحتفظ بهن قريباً من البيت أكثر من الصبيان وقد أظهرت دراسة حديثة عن الألعاب التي يمارسها الجنسان في أميركا أنه في الوقت الذي تؤدي فيه البنات الألعاب التي تعد ( أنثوية ) من الناحية التقليدية فإن ألعاباً أخرى ( رجولية ) لم يبق فيها اختلاف بين الجنسين مثل كرة السلة وهناك دراسات أقدم من هذه كشفت عن اختلاف أكبر في لعب الصبيان إذا قورن بلعب البنات كما تغيرت الفروق في لعب الصبيان والبنات إلى حد ما خلال السنوات الأربعين الأخيرة
عامل البيئة :
يتأثر الأطفال في لعبهم بعامل المكان ففي السنوات الأولى يلعب معظمهم مع الأطفال الذين يجاورونهم في المسكن وبعد فترة يلعبون في الشوارع أو الساحات أو الأماكن الخالية القريبة من مسكنهم وبذلك يكون للبيئة التي يعيشون فيها تأثير واضح في الطريقة التي يلعبون بها وفي نوعية الألعاب أيضاً وإذا لم تتهيأ لهم أماكن ملائمة وقريبة من منازلهم للعب أو إذا لم تتوفر مواد اللعب المستخدمة في لعبهم فإنهم ينفقون وقتهم في التسكع أو يصبحون مصدراً للإزعاج وقد أوضحت بعض الدراسات ( مثل دراسات ليهمان 1926 ميري وميري 195 ) أن الأطفال الفقراء يلعبون أقل من الأطفال الأغنياء وربما يرجع السبب ولو جزئياً إلى الاختلاف في الحالات الصحية ولكنه يرجع بصورة أساسية إلى أن البيئات الفقيرة فيها لعب أقل ووقت أقل ومكان أضيق للعب من البيئات الغنية وفي مناطق الريف والصحراء تقل الألعاب بسبب انعزالها ولصعوبة تنظيم جماعات الأطفال كما تقل فيها أيضاً أوقات اللعب وأدواته لأن الأطفال ينصرفون إلى مساعدة الوالدين في أعمالهم
وللبيئة أثر واضح في نوعية اللعب فطبيعة المناخ وتوزعه على فصول السنة تؤثر في نشاط اللعب عند الأطفال فيخرج الأطفال للعب في الحدائق شتاء وذلك في المناطق المعتدلة بينما يقومون بالتزحلق على الجليد واللعب في الثلج في المناطق الباردة كما يتحدد الإطار الذي يلعب فيه الأطفال في الأماكن المغلقة في المناطق التي تشتد فيها الحرارة صيفاً في حين ينتقل الأطفال إلى شواطئ البحر وحمامات السباحة في المناطق ذات الحرارة المعتدلة صيفاً ومن الألعاب ما يختص بفصل معين من فصول السنة فلعبة كرة القدم تعد لعبة شتوية بينما السباحة تعد لعبة صيفية وقد تختلف اهتمامات الأطفال باللعب ومواده باختلاف البيئة فالأطفال في المناطق الساحلية تختلف اهتماماتهم عن الأطفال في المناطق الداخلية أو الصحراوية كما أن الأطفال في البيئات الصناعية يهتمون بألعاب تختلف عن ألعابهم في البيئات الريفية
العامل الاجتماعي والثقافي :
وكما يتأثر لعب الأطفال بالبيئة والجنس والحالة الجسمية والمستوى العقلي كذلك يتأثر أيضا بثقافة المجتمع وبما يسوده من عادات وقيم وتقاليد كما ترث أجيال الأطفال عن الأجيال السابقة أنواعاً من الألعاب تنتشر في المجتمع وتشيع فيه وهي ألعاب كثيرة لا نجد ضرورة لذكرها في هذا المقام ويكشف تقرير الأمم المتحدة الذي أعد عام 1953 عن ألعاب تقليدية تتكرر بين الأطفال في كثير من الشعوب فقد نجد على سبيل المثال أن لعبة الاختفاء تنتشر لدى الأطفال في كثير من البلدان الأسيوية والأوروبية والعربية.
وللمستوى الاقتصادي دور رئيس في لعب الأطفال فالمستوى الاجتماعي والاقتصادي يؤثر في نشاطات اللعب كماً وكيفاً على السواء وإذا كانت هذه الفروق لا تتضح خلال سنوات الطفولة الأولى فإنها تظهر واضحة كلما تقدم الأطفال في السن فالأطفال الذين تكون أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية أعلى يكونون أكثر تفضيلاً لنشاطات اللعب التي تكلف بعض الأموال كالتنس مثلاً في حين أن الأطفال الذين تكون أوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية أقل مستوى فإنهم يميلون إلى الألعاب الأقل تكلفة كألعاب كرة القدم ( ونط الحبل ) كما يتأثر الوقت المخصص للعب بالطبقة الاجتماعية فوقت اللعب المتاح للأطفال من السر الفقيرة هو أقل من الوقت المتاح للأطفال من السر الغنية ذلك لأن الأسر الفقيرة تشرك أبناءها في أداء بعض الأعمال والأعباء الاقتصادية
وقد ظهر أن للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل أثراً في نوع الكتب التي يقرؤها وفي الأفلام التي يراها والنوادي التي يرتادها فالأطفال الأغنياء يمارسون ألعاباً ذات طابع حضاري كالموسيقى والفن والرحلات والمعسكرات في حين نجد أن الأطفال الفقراء ينفقون وقتاً أعظم في مشاهدة برامج التلفزيون أو اللعب خارج المنزل كما أن للوجتيه القومي أثراً واضحاً في نشاط اللعب وفي توجيه غاياته
هل لديك حساب
ليس لديك أي حساب